الشيخ مبارك بن محمد بن صالح بعداش

Sunday, 28 August 2022

الشيخ مبارك بن محمد بن صالح بعداش، ولد  عام 1935م في منطقة " قنا " التابعة لمدينة " قِبِلي" في دولة تونس، كان رحمه الله من أبرز علماء الشيعة في تلك البلاد، كما أنه كان زعيم الشيعة في تونس.
كان بعداش في بداية الأمر من أهل السنة وعلى المذهب المالكي، يقول بعداش عن نشأته: "كنت أعيش في أجواء أسرة دينية محافظة بحيث ترك هذا الأمر الأثر البالغ في توجّهي الديني، ودفعني منذ صغري أن أكون مقيماً للصلاة ومداوماً على صيام شهر رمضان، كما أنّني التحقت في وقت مبكر بحلقات دروس القرآن الكريم، وكان لهذا الأمر الدور الكبير في بلورة فكري وسلوكي نحو الاتجاه الديني، رغم أنّ الأجواء التي كان يعيشها بلدنا تسير نحو الانحراف، وذلك بسبب الاستعمار الفرنسي المقيت الذي سعى لسلخ بلدنا عن هويته العربية والإسلامية، والذي فشل في نهاية المطاف ونبذ خارج البلاد، لكنة خلّف في ساحتنا الإسلامية رواسب فكرية جعلت مجتمعنا يعاني منها بعد ذلك".

الشيخ مبارك بن محمد بن صالح بعداش

دراسته

وعن دراسته الأكاديمية يقول بعداش: "بعد إتمامي للدراسة الإعدادية شجعني والدي على الالتحاق بالمعهد الثانوي في جامع الزيتونة، فلبيت طلبه وقضيت مدة سبع سنوات في ذلك المعهد حتى تخرجت منه عام 1957م بحصيلة تاريخية وفقهية وثقافية يعتد بها، وكنت ذلك الحين في ريعان شبابي، وتزامنت هذه الفترة مع حركة التحرر العربي والمد القومي الذي اجتاح الساحة حتى هيمن على عواطفي وأحاسيسي فأصبحت من المتحمسين والمؤيدين له، واستمر هذا الحال إلى أواخر الستينات حتى التقيت بــ "راشد الغنوشي أحد الحركيين الإسلاميين البارزين في شمال قارة افريقيا".

كان بعداش من مؤسسي وعضو بارز في حزب حركة النهضة، وهو أكبر حزب إسلامي معتدل في تونس، وهكذا التحق بعداش بحركة النهضة أنه تباحث مع الغنوشي حول أفضل أسلوب وأفضل خط فكري يمكنه انتشال الأمة الإسلامية من التدهور الذي تعاني منه، فيقول الشيخ مبارك: "وجدت فكر الغنوشي ومنهجه أفضل من الرؤى المادية التي أنا عليها، لأنه كان يدعو إلى الله تعالى متبنيا للاطروحة الإسلامية، في حين كنت أدعو إلى تمجيد شخصيات كانت أفكارها محدودة وذو أبعاد ضيقة، فدعاني للانضمام إلى حركة اخوان المسلمين، فقبلت ذلك وأصبحت أحد أعضائها الناشطين والمتميزين، وكنت أتصور أن الدين كله متمثل بهذا التنظيم، وأن أفكار "حسن البنا " و"السيد قطب" و"الشيخ المودودي" فريده في ذاتها، والاطروحة التي ليس لها مثيل في الساحة الإسلامية المعاصرة، ولكنني بعد فترة اطلعت على نقاط ضعف كثيرة في هذه الحركة كانت محفزة لابتعادي عنها، حيث وجدتها حركة مهتمة بالبعد الثقافي أكثر من أهتمامها بالبعد الروحي للشريعة الإسلامية، ومما زاد بعدي عنها طريقة تعامل قيادتها معنا، فهم يسكنون خارج تونس ومع ذلك كانوا يعممون أفكارهم التي لا تنسجم مع الأجواء التي كنا نعيشها ولايسمحون لنا بنقدها".

وبعد أن اعتزل الشيخ مبارك بعداش حركة أخوان المسلمين، سعى جاهدا للبحث عن شيء يشبع روحه ويروي ظمأه ويوقظ فطرته، ويجعل وجدانه ممتلىء بشهود الله تعالى؛ وبناء عليه، عزم أن يتوجه إلى التصوف ليملأ هذا الفراغ الروحي الذي كان يعاني منه، فيقول الشيخ بعداش عن تلك الفترة: "فسافرت إلى مدينة "توزر"، والتقيت بــ "الشيخ إسماعيل الهادفي" زعيم الجماعة المدنية، فجلسنا معاً وتحاورنا حول بعض المسائل الدينيّة، وتلقيت من أتباعه منهجهم الديني، ولكن بعد عودتي إلى مدينة "قفصة" التي كنت مقيماً فيها، تأملت في التصوّف فوجدته عبارة عن عمل دائري يدور على نفسه، ويعود من حيث يبدأ! فخاب أملي فيه".

ثم بعد هذه الفترة، صادف أن التقى بعداش بأحد الشباب المؤمنين، فدار حديث بينهما فسأله ذلك الشاب عن قضايا شتى، ثم وجه له سؤال عن وضعه النفسي، فأجاب بعداش: إنني لا أشعر بارتياح وأنا ضجر من الحالة التي نعيشها من الوضعية الاجتماعية لحركة أخوان المسلمين، فقال لي: هناك جماعة تسمى جماعة أهل البيت، فلماذا لا تذهب إليهم، وتتعرف عليهم لعلك تجد بغيتك عندهم.

فتأملت في كلامه، وقلت في نفسي: إن أهل البيت (ع) يمثلون فكرة تاريخية تراثية، برزت في العصر الإسلامي الأول، ولم يكتب لها البقاء، وان الامام علي وفاطمة الزهراء والحسن والحسين (ع) هم كباقة زهور فوق منضدة الإسلام، ولم أتصور أن لهم امتدادا حيا إلى يومنا هذا، ولكن لا بأس أن أتعرف عليهم بصورة مباشرة لأرى ما هم عليه، وبالفعل أخذني ذلك الشاب إلى أحد أصدقائه فدعانا إلى تناول طعام العشاء في منزله، واتصل هاتفيا بعدد من أصدقائه ليحضروا المأدبة على شرفي، فلبيت الدعوة، بعد تناول وجبة العشاء، وجلسنا معا نتجاذب أطراف الحديث، فسألني أحدهم عن اختصاصي في مجال العلوم الإسلامية، فقلت له: أنا ملم بالسيرة، وقد بذلت جهدي لاتقانها ودراستها بصورة معمقة، فقال لي: بودي أن أسألك عن بعض أسئلة حول السيرة، فأسألني سؤالا، ففكرت في الإجابة، فلم أجد جوابا لسؤاله، وراجعت ذاكرتي فلم أجد في الكتب التي قد قرأتها أي خبر عن السؤال الموجه إلي، ثم سألني أسئلة أخرى، وهذه الأسئلة كانت تدور حول واقعة هجرة النبي الأكرم (ص) من مكة إلى المدينة، ولم أجد لها إجابات رغم اختصاصي في مجال العلوم الإسلامية، وإلمامي بالسيرة، فعرفت أن معلوماتي ملفقة وناقصة، فجلست أمام هذا الشاب كالتلميذ لأصغي إلى كلامه، فكانت إجاباته قوية مؤيدة بالمصادر التاريخية للفريقين.

ثم يقول الشيخ مبارك بعداش: انقدحت في ذهني أسئلة كثيرة لم أجد لها في كتبنا ـ أبناء العامة ـ ولا عند علمائنا جوابا، فبقيت حائرا أبحث عن مخرج لها، وأدركت أن لا مخرج من هذه الدوامة الا بالبحث والمطالعة والاستقصاء، فشمرت عن سواعد الجد وخضت في عباب القراءة لأصل إلى الحقيقة ".

وأخيرا تشرف الشيخ مبارك بالانتماء إلى مذهب أهل البيت (ع) في عقد الثمانينات من القرن الماضي، وذلك بعد تحقيق مكثف ودراسة معمقة عن بعض الحقائق التأريخية التي تم تعتيم عليها، وبعد حوارات عديدة أجراها مع العلماء والأساتذة.

وعن بعض مواقفه المشرفة وفي الدفاع عن مدرسة أهل البيت عليهم السلام، قال بعداش في مقابلة مع قناة التونسية الفضائية وصحيفة حقائق: "أعطوني ساعة واحدة أسبوعيا للتحدث في التلفزيون وسأحول كل السنة إلى شيعة". كما أنه كان عضو المجمع العالمي لأهل البيت (ع).

وفاة

توفي 28 ديسمبر عام 2018 م الموافق 20 ربيع الثاني عام 1440 هجري قمري، وعزى برحيله الأمين العام المجمع العالمي لأهل البيت (ع)، معتبرا إياه مبلغاً وداعياً إلى الحق ومن رواد الوحدة الإسلامية ومدافعاً عن مدرسة أهل بيت العصمة والرسالة(ع)؛ وبذلك فقد موالین أهل البیت(ع) والمجتمع الإسلامي التونسي، شخصية علمية ودعوية صادقة.

 

 

Ahl Al-Bayt World Assembly

The Ahl al-Bayt World Assembly  is an international non-governmental organization (INGO) that was established by a group of Shiite elites under the supervision of the great Islamic authority of the Shiites in 1990 to identify, organize, educate and support the followers of Ahl al-Bayt.

  • Tehran Iran
  • 88950827 (0098-21)
  • 88950882 (0098-21)

Contact Us

Issue
Email
The letter
8-5=? Captcha