الحاج نور الدين أحمدي

الوجوه الخالدة

Sunday, 28 August 2022

الحاج نور الدين أحمدي (وفاة 2008م)، أحد المحققين البارزين في القرآن في مقدونيا، وكان من أشد المؤيدين والمروجين لثقافة القرآن ومعارف أهل بيت (ع) في البلقان. كرس ما يقارب من خمسة وعشرين عامًا من حياته الكريمة، في تعليم القرآن ومعارف الإسلام للشباب والمراهقين في بلده، ومع الحفاظ على جوانب الأمور، لم يلتفت إلى تهديد الوهابيين والسلفيين المتطرفين، واستمر في طريق الحقيقة التي كان يؤمن بها بشدة من خلال الدراسة والتأمل، وحاول الترويج للثقافة القرآنية ومعارف مدرسة أهل البيت (ع) في منطقة البلقان.
كان حاصلا على شهادة الماجستير في التاريخ الإسلامي من جامعة الأزهر في مصر، وترجم العديد من المؤلفات، منها عقائد الامامية، وقصص الأنبياء، ورسالة الإمام الخميني إلى غورباتشوف، وسلسلة كتب الدروس الدينية لآية الله إبراهيم أميني، وبروتوكولات حكماء صهيون من اللغة الفارسية والعربية إلى اللغة الألبانية.

الحاج نور الدين لمس إبادة المسلمين على يد الصرب بكل كيانه إبان الاضطهاد الشيوعي وما تلاه، وكان يفهم بشكل جيد أي طريق في العالم الإسلامي وفي عالم الظلم اليوم، هو طريق النجاة، وأي شخص وأي جزء من الأرض يناديه، لذلك حاول تقديم إنجازات وتوجيهات الخميني الكبير (ره) ومُثل الثورة الإسلامية الإيرانية للشعب المسلم في بلاده.

على الرغم من أن أحمدي كان مستبصرا، وتحول من المذهب الحنفي إلى المذهب الشيعي الاثني عشري الحق، إلا أنه شغل منصبًا رفيعًا في المجلس الإسلامي المقدوني ومدارس أهل السنة في المنطقة. يقول عن كيفية تحوله من المذهب السني إلى الشيعي: في السنوات الماضية، عندما كنت أقوم بتدريس تاريخ الإسلام لطلاب المدارس الإسلامية، أدركت في دراستي أن هذا التاريخ الإسلامي، الذي في أيدينا، من دون حضور أهل البيت (ع) في فتراته المختلفة، تاريخ غير كامل وظالم وليس فيه روح، ومن هناك اعتنقت التشيع، ثم وضع الإمام الخميني (ره) -وهو ابن النبي (ص) وأهل البيت (ع) ومحيي القرآن والعترة في العالم- حداً لكل ما عندي من الشكوك، وجذبني إلى دائرة الشيعة.

كانت من صفات الراحل الحاج نور الدين أحمدي التواضع، والأخلاق الحميدة، وهيبة الأستاذ، والسابقة النضالية، وطلب الحق، حتى أن العديد من خصومه كانوا يحترمونه، ويتذكرون دائمًا سجلّه التدريسي المستمر في مدرسة "عيسى بيك" بمدينة تيتوفو وإسكوبية، وكان يُلقب تكريما له بالبروفيسور.

يتزيّن منزل الأستاذ الحاج نور الدين أحمدي الواقع في قرية تابعة لمدينة تيتوفو بصورة الإمام الخميني، وآية الله الخامنئي قائد جمهورية إيران الإسلامية، والسيد حسن نصر الله قائد حزب الله في لبنان، وشبكات البث الإيرانية، ومكتبة فيها كتب شيعية باللغات العربية، والإنجليزية، والمقدونية، والألبانية، والفارسية، وسجادات من مشهد وقم، وتربة كربلاء، وكل هذه الأشياء كانت تزيل الشعور بالتشرد في تلك الأرض في ظل الغزو الأوروبي وأمريكي. وفي هذا المنزل البسيط، يمكن أن تشم رائحة أهل البيت (عليهم السلام) بشكل جيد.

وكان السيد نور الدين قد أدى فريضة الحج عدة مرات، إلا أنه اعتبر في مذكراته أن هذه الحج لم يكتمل وقال: "أمنيتي الكبرى هي أداء مناسك الحج على المذهب الجعفري (الشيعي) للمرة الأولى والأخيرة"، ولحسن الحظ حدث هذا، ووقع في عام 1427 هـ، حيث ذهب لأداء فريضة الحج. ومن بين الحالات الخاصة المعنوية والروحية للأستاذ القرآني المقدوني، في هذا السفر المعنوي، الحضور في مراسم دعاء كميل في حرم المدينة المنورة، والحضور الحماسي في صلاة الجماعة في المسجد الشيعي بالمدينة المنورة، كما جاء بالبُرد اليماني وكفنه من هناك، وانتقل إلى رحمة الله تعالى بنفس هذه الثياب العطرة.

كانت إيران الإسلامية أشبه بكعبة آمال الراحل نور الدين أحمدي، فقد سافر إلى إيران عدة مرات، وقال عن هذه الرحلات: "في كل رحلة، تزوّدت من معارف أهل البيت (ع) والقرآن، وتعلمتُ دروسًا جديدة في المثابرة والتفسير العملي لآيات الحق". وخلال رحلته الأخيرة إلى إيران في صيف عام 2007م، للحضور في الجمعية العامة واللجان التخصّصية في المجمع العالمي لأهل البيت (ع)، التقى بقائد الثورة الإسلامية آية الله الخامنئي، وزار الإمام الثامن علي بن موسى الرضا (ع)، فكان سعيدًا جدًا ويذكر هذه الذكريات باستمرار.

توفي الحاج نور الدين أحمدي بعد حياة من النضال العلمي والثقافي للنهوض بمدرسة أهل البيت (ع)، في 3 يونيو سنة 2008م، بالتزامن مع أيام استشهاد السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وأيام وفاة الإمام الخميني (ره).

 

Tags

• الجمعية العامة للمجمع العالمي لأهل البيت (ع)