آية الله العلامة محمد تقي مصباح اليزدي

Thursday, 25 August 2022

آية الله العلامة محمد تقي مصباح اليزدي (1935 ـ 2021م) فقيه، وفيلسوف، ومفسر للقرآن، ومن أساتذة الحوزة العلمية في قم المقدسة. ترأس لفترة طويلة رئاسة الهيئة العليا للمجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام، وكتب العديد من المؤلفات القيمة والخالدة في مجال التفسير، والفلسفة، والأخلاق، والمعارف الإسلامية، وقد تُرجم العديد منها إلى لغات مختلفة، كما تُدرس بعضها في الحوزات العلمية، والجامعات.

كان آية الله مصباح من أهم المنظّرين والمدافعين عن نظرية ولاية الفقيه المطلقة، وطالما ساند نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقائدها سماحة آية الله العظمى الخامنئي.

قام العلامة مصباح بإنشاء موسسة الإمام الخميني للتعليم والبحث العلمي، بهدف تربية كوادر لنظام الجمهورية الإسلامية، وقد اشتغل حالياً العديد من خريجي هذا المعهد في مختلف المراكز والمؤسسات العلمية‌، والثقافية، والسياسية، والاجتماعية، التابعة لنظام الجمهورية الإسلامية.

تولى آية الله مصباح اليزدي عدّة مهام ووظائف، منها: مدير مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحث العلمي، وعضو مجلس خبراء القيادة، وعضو في جماعة المدرسين في الحوزة العلمية بمدينة قم، وعضو في المجلس الأعلى للثورة الثقافية.

آية الله العلامة محمد تقي مصباح اليزدي

حياته ودراسته

ولد الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي عام 1935م في مدينة يزد الإيرانية. بعد إكمال دراسته الابتدائية في عام 1947 ـ 1948م، دخل الحوزة العلمية في مدينة يزد في "مدرسة الشفيعية"، وأتمَّ مرحلة المقدّمات فيها. وبالإضافة إلى دروس الحوزة درس بعض العلوم الأخرى عند أحد رجال الدين اسمه "المحقق الرشتي" کدرس الفيزياء، والكيمياء، وعلم وظائف الأعضاء، واللغة الفرنسية.

 

الهجرة إلى النجف الأشرف

هاجر آية الله مصباح إلى العراق مع أسرته لمواصلة دراسته في العلوم الدينية عام 1952م، واستقر في النجف الأشرف بالقرب من مرقد أمير المؤمنين علي (ع)، وعاد إلى يزد بعد ستة أشهر من النجف، وبعد ذلك هاجر إلى مدينة قم المقدسة لمواصلة دراسته، واستقر بالقرب من مرقد السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام).

 

 

الأساتذة

شارك آية الله مصباح في درس الفقه والأصول عند جملة من العلماء الربانيين، من أمثال: آية الله البروجردي، والإمام الخميني، وآية الله الأراكي، وآية الله بهجت، حتى بلغ مرتبة الاجتهاد في سن السابعة والعشرين، كما حضر دروس التفسير والفلسفة عند الفيلسوف الشهير العلامة الطباطبائي، حيث تلقى منه درس الأسفار للملا صدرا، والشفاء لابن سينا، وحضر أيضا درس الأخلاق والعرفان عند العرفاء المشهورين كالعلامة الطباطبائي، وآية الله بهجت، وآية الله أنصاري الهمداني.

ومن أساتذته الآخرين الشيخ عبد الحسين عجمين، والسيد علي رضا مدرسي، وآية الله الميرزا محمد أنواري، والشيخ مرتضى الحائري اليزدي، والشيخ عبد الجواد جبل العاملي.

 

الأنشطة الاجتماعية والسياسية

تركزت معظم الأنشطة السياسية لآية الله مصباح قبل انتصار الثورة الإسلامية في الفترتين من عام 1963 إلى 1965م، ومن عام 1977 إلى 1978م. فكان في هذه السنوات من كُتاب مجلة بعثت ومجلة انتقام، حيث اتخذتا هاتين المجلاتين الطابع السياسي؛ وذلك من خلال نقد الحكومة البهلوية. وكان من أعضاء جمعية الأحدَ عشرَ شخصاً، حيث قام مجموعة من علماء ومدرسين الحوزة العلمية بقم في بداية عام 1964م، بتشكيل مجموعة سرية تسمى "جمعية أحد عشر شخصاً"؛ هدفها النضال السياسي ضد الحكومة البهلوية، لكن تحت غطاء إصلاح الحوزة العلمية.

وقّع آية الله مصباح اليزدي على بعض الإعلانات والرسائل السياسية في السنوات التي سبقت انتصار الثورة الإسلامية، ضد الحكومة البهلوية، من جملتها: رسالة احتجاج من قبل فضلاء ومدرسي الحوزة العلمية في قم إلى مجلس الحكومة آنذاك، في 30 سبتمبر عام 1963م، بخصوص اعتقال الإمام الخميني، ورسالة احتجاج إلى أمير عباس هويدا رئيس الوزراء في ذلك الحين، من قبل فضلاء يزد في مارس عام 1964م، على ترحيل الإمام الخميني إلى تركيا، وبيان بشأن مجزرة يزد في 5 أبريل سنة 1978م، ورسالة جماعية في نفس السنة من قبل أساتذة الحوزة العلمية في قم، إلى رئيس الجمهورية الفرنسية لدعم وحماية الإمام الخميني.

 

المسؤوليات بعد انتصار الثورة الإسلامية

بعد انتصار الثورة الإسلامية، تولى آية الله مصباح عدة مسؤوليات، نذكر منها ما يلي:

* عضو في مجلس خبراء القيادة

* رئيس المجلس الأعلى للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) من يونيو عام 1997م، إلى نوفمبر عام 2012م

* عضو في جماعة المدرسين في الحوزة العلمية بمدينة قم

* عضو في المجلس الأعلى للثورة الثقافية

* شارك في فعاليَّات تأسيس مكتب التنسيق بين الحوزة والجامعة، من أجل أسلمة كتب الجامعات

* تقديم المشورة لکتلة جبهة پایداری: تشكل هذا التنظيم السياسي عام 2011م، من قبل مجموعة من طلابه ومحبيه، ووافق مصباح اليزدي على مقرراتهم، وكان يقدم لهم النصائح والمشورة.

 

الأنشطة العلمية

التحق الشيخ مصباح اليزدي عام 1967م بمدرسة حقاني العلمية في قم، بدعوة من آية الله الشهيد بهشتي، وتولى جزءًا من إدارتها، وفي نفس المدرسة بدأ بتدريس التفسير، ومباحث الأخلاق والتربية، ودّرس كتابي "فلسفتنا" و"اقتصادنا" لآية الله الشهيد محمد باقر الصدر، ومع تشكيل قسم التعليم بمؤسسة "في طريق الحق"، تمت دعوة المرحوم مصباح اليزدي من قبل هذه المؤسسة من أجل العمل فيها. وقد أنشئت هذه المؤسسة من أجل الرد على الشبهات التي ترد على الدّين، ومع توسعة أنشطة وبرامج قسم التعليم في المؤسسة، أدى إلى تأسيس "مؤسسة باقر العلوم الثقافية" وكان يديرها الشيخ مصباح.

أسس آية الله مصباح في عام 1995م، مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحث العلمي؛ وذلك بهدف شرح وتطبيق المعارف الإسلامية في مختلف مجالات العلوم الإنسانية، وكذلك تدريب الباحثين في المعارف الإسلامية والعلوم الإنسانية، وكانت هذه المؤسسة تُدار من قبل آية الله مصباح خلال حياته، واليوم يعمل العديد من خريجيها ويقدمون الخدمات في مراكز ومؤسسات نظام الجمهورية الإسلامية.

قام الشيخ مصباح بتدريس كتاب الأسفار للملا صدرا، والشفاء... في مؤسسة "في طريق الحق"، ومؤسسة الإمام الخميني، كما كان يلقي دروسا في الأخلاق ولمدة سنوات أسبوعياً في مكتبة آية الله الخامنئي في قم.

 

الأفكار السياسية

شارك مصباح اليزدي في عام 1981م، وفي ذروة نشاط الجماعات الماركسية، في مناظرة بثها التلفزيون الإيراني، حيث نقد فيها الآراء الماركسية. واستمر آية الله مصباح في انتقاد هذا الفكر، ونتج عنه كتاب (پاسداری از سنگرهای ایدئولوژیک؛ أي: الذّود عن حصون الأيديولوجية) المكوّن من ستة مجلدات، في نقد الأفكار الماركسية، حيث تم نشر المجلد الأول في عام 1981م، والمجلدات الخمسة الأخرى في السنوات اللاحقة.

كما انتقد الفقيد مصباح اليزدي في عام 1997م بمناظرة تلفزيونية مع محمد جواد حجتي السياسات الثقافية للحكومة في ذلك الوقت المتمثلة بالسيد محمد خاتمي، كما ألقى خطبًا في نفس العام قبل خطب صلاة الجمعة في طهران، والتي نُشرت لاحقًا في مجلدين بعنوان "النظرية السياسية للإسلام".

 

الأفكار النقية

ألّف آية الله مصباح اليزدي عدّة كتب في مختلف مجالات الفكر الديني، حيث قدم في مؤلفاته نظامه الفكري، ومن بين أفكاره: عدم التوافق مع الثقافة الغربية لأنها ثقافة الكفر، وإنكار القراءات المتعددة للدين، ومرجعية رجال الدين في معرفة الدين، والدفاع عن ولاية الفقيه المطلقة.

في فكر آية الله مصباح اليزدي إن الدين مجموعة شاملة من الأحكام والأوامر، التي تشمل الدنيا والآخرة وجميع جوانب الحياة الفردية والاجتماعية للإنسان. ويعتقد أنَّ الدين يحدد قيمة الظواهر؛ أي أنَّ من وظائف الدين تقييم وتبيين الطريق في كيفية الوصول إلى الحياة السعيدة؛ ولكن في كيفية منشأها العلم يوضح ذلك.

يرفض آية الله مصباح اليزدي القبول أو التوافق مع الثقافة الغربية؛ وذلك لاعتبارها ثقافة الكفر والإلحاد، ومع ذلك فهو يؤمن بضرورة الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة. في رأيه، الإنسانوية، والعلمانية، والليبرالية هي العناصر الرئيسة لثقافة الكفر والإلحاد، وفي قبالها محورية الله تعالى، وأصالة الدين، وولاية الفقيه، والقيود القانونية للنشاط الإنساني في دائرة طاعة الله، وهي العناصر الرئيسية للفكر الإسلامي، فهاتان الثقافتان متعارضتان: فالثقافة الغربية تدعو الإنسان إلى الحرية المطلقة من كل شيء، حتى التحرر من طاعة الله تعالى، والثقافة الإسلامية تدعونا إلى الطاعة المطلقة لله.

لا يقبل الشيخ مصباح القراءات المتعددة للدين؛ وذلك لأنّ الأحكام والبيانات الدينية واضحة، ولا يتطلب فهمها تفسيرأً وتبريراً علمياً، كما عارض تنظير المثقفين في مجال الدّين، واعتبر فقط تفسيرات وآراء العلماء في هذا الشأن صحيحة وتخصّصية.

يُعد الشيخ مصباح اليزدي من المؤيدين لنظرية ولاية الفقيه المطلقة والمدافعين عنها، فهو يرى أنَّ الشكل الوحيد للحكومة الإسلامية هو حكومة ولي الفقيه، حيث أن جميع الصلاحيات الثابتة للإمام المعصوم ثابتة أيضاً للوليّ الفقيه.

 

الأفكار الأصيلة

ترك آية الله مصباح اليزدي أكثر من مائة مؤلف في مجال تفسير القرآن، والفلسفة الإسلامية، والعقيدة والكلام، والأخلاق، والفكر السياسي الإسلامي، وقد تم ترجمة العديد منها إلى لغات مختلفة، مثل: الإنجليزية، والعربية، والأردية، والروسية، والإسبانية، والهندية والبوسنية، كما يتم تدريس بعضها في المراكز العلمية كالحوزات والجامعات، ومن أهم مؤلفاته ما يلي:

* معارف القرآن: وهو عبارة عن تفسير موضوعي للقرآن، ومواضيعه عبارة عن: معرفة الله، معرفة الإنسان، ومعرفة العالم، ومعرفة الدليل، ومعرفة القرآن، والأخلاق، والمجتمع والتاريخ، والحقوق ‌والسياسة.

* المنهج الجديد في تعليم الفلسفة: وهو عبارة عن مجموعة من دروس الفقيد، التي جمعها بعض طلابه ثم أكملها بقلمه الخاص، وهو من الكتب التي تُدرّس في الحوزة العلمية والجامعات.

* دروس في العقيدة الإسلامية: وهذا الكتاب عبارة عن محاضراته في العقيدة الإسلامية، وقد كتبه ونشره فيما بعد بعنوان كتاب درسي للحوزات العلمية.

ومن مؤلفاته الأخرى: نقد ودراسة المذاهب الأخلاقية، والعلاقة بين العلم والدين، والنظرية السياسية في الإسلام، والنظرية الحقوقية في الإسلام، وشرح على كتاب الأسفار الأربعة للملا صدرا، وشرح إلهيات الشفاء، وشرح برهان الشفاء، وشرح نهاية الحكمة.

 

الوفاة

توفي هذا العالم والمجاهد الشيعي بعد عمر من النضال العلمي والسياسي، وبعد صراع مع المرض وودع الحياة الفانية في مستشفى بطهران يوم الجمعة 1 يناير سنة 2021م، عن عمر يناهز الـ 86 عاماً. بعد وفاة هذا العالم الحكيم، تم إعلان التعطيل في الحوزات العلمية في إيران يوم 2 يناير، كما أصدر العديد من مراجع التقليد وغيرهم من الشخصيات والمؤسسات السياسية والدينية في إيران رسائل تعزية بوفاة هذا العالم الرباني. وأقام المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي الخامنئي فجر يوم 2 يناير صلاة الميت على جثمانه، وشُيعت جنازته في حرم عبد العظيم الحسني في مدينة الري، ثم نُقل جثمانه إلى مشهد المقدسة وتم تشييعه في حرم الإمام الرضا (ع). وتم تشييعه في قم المقدسة بحضور عدد كبير من العلماء وشرائح المجتمع المختلفة، وتم دفنه يوم الأثنين 4 يناير سنة 2021م، في حرم السيدة معصومة (عليها السلام).

وجاء في جزء من رسالة التعزية التي بعثها قائد الثورة الإسلامية الإيرانية آية الله الخامنئي:

"إنّها لخسارة للحوزة العلميّة وساحة المعارف الإسلاميّة، لقد كان سماحته مفكّراً بارزاً، ومديراً يتمتّع بالكفاءة، وصاحب لسان بليغ في إظهار الحقّ، ويسير بثبات على الصّراط المستقيم، كما أنّ خدمات سماحته في انتاج الفكر الدينيّ وتأليف الكتب التوجيهيّة، وتربية تلامذة مميّزين ومؤثّرين، والمشاركة الثورية في الساحات كافة التي تُلمس فيها الحاجة إلى حضوره، كانت منقطعة النظير حقاً وإنصافاً. لقد كانت التقوى خصلته الدائمة التي رافقته من أيّام الشّباب حتّى آخر عمره، فكان توفيقه في سلوك طريق المعرفة التوحيديّة ثواباً إلهيّاً عظيماً لهذا المجاهد القدير".

Ahl Al-Bayt World Assembly

The Ahl al-Bayt World Assembly  is an international non-governmental organization (INGO) that was established by a group of Shiite elites under the supervision of the great Islamic authority of the Shiites in 1990 to identify, organize, educate and support the followers of Ahl al-Bayt.

  • Tehran Iran
  • 88950827 (0098-21)
  • 88950882 (0098-21)

Contact Us

Issue
Email
The letter
4+6=? Captcha