وفي أجواء الاحتفال بولادة الرسول الأكرم (ص) وأسبوع الوحدة الاسلامية، نظمت المستشارية الثقافية الإيرانية في لبنان بالتعاون مع مؤسسة حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئي KHAMENEI.IR ندوةً افتراضيةً بعنوان "في مدرسة الرسول الأعظم (ص)؛ قراءة في فكر الإمام الخامنئي(دام ظله)" ، وذلك بحضور شخصيات من مختلف المذاهب والطوائف ورجال دين من دول عديدة منها إيران، لبنان، البحرين،سوريا ودول أخرى، وقد عُقدت الندوة من وحي ولادة الرسول الأكرم (ص)، وأحداث الإساءة لشخص الرسول الأكرم (ص) التي جرت مؤخراً في بعض الدول.
وقد حضر الندوة عددٌ من الرجال العلم والفكر والدين كما كانت مداخلاتٌ لعدة أفراد على هامش اللقاء. وقد تميّزت الندوة بفتح باب مناقشة محاور كتاب القائد "في مدرسة الرسول الأعظم"، والتي كانت عناوينها تتناسبُ وموضوع الندوة ومحاورها التي انطلقت من شخصية الرسول الأكرم (ص) نقطة ارتكاز الحوار، مروراً بكافة أبعاد الشخصية المحمدية، عقلياً، عاطفياً وإيمانياً، ضمن التطرق إلى موضوع الإساءة وسبل الردّ الأمثل في العالم الإسلامي حضارياً وأخلاقياً، مع التأكيد على الجانب الوحدويّ وخطاب التسامح في الإسلام.
وبعد آيات من القرأن الكريم وتقديم للندوة من قبل الباحث الفلسطيني الدكتور مصطفى اللداوي، جرى عرض فيلم تسجيلي من وحي المولد النبوي الشريف وكلمات الامام الخميني (قده) والامام الخامنئي(دام ظله) عن الوحدة الاسلامية والرسول الاعظم(ص)، بعدها افتتح الندوة المستشار الثقافي الإيراني الدكتور عباس خامه يار بكلمة، وممّا جاء فيها:
" إنّ الكلام عن رسول الله محمد (ص) لا يحتاجُ إلى مناسبة كما لا يحتاج ذكرُ النبيّ وشخصيته وسيرته وحياته إلى حدثٍ من قبيلِ ولادةٍ أو إساءةٍ أو حدثٍ آخر. فمحمّد هو الإنسانُ الكامل الذي كرّس له فلاسفة الإسلام أعمالهم وكتاباتهم. وهو النورُ خيرُ الخلقِ أجمعين وخاتمُ النبيين الذي أكمل دينَ التوحيد بالإسلام حاملاً رسالةَ التبليغِ فكان خيرَ المرسلين وسيد الوصيين.
محمد الإنسانُ الكامل، نبيُّ الرحمة الذي بادلَ الإساءةَ بالتودّد والغفران، الذي كان على الكافرينَ رحيماً صبوراً، شيّدَ عمارةَ الحضارة الإنسانية برسالة الإسلام، مستكملاً مسيرةَ موسى وعيسى. لقد قدّم محمّد(ص) للبشرية مدرسةً في السياسة والاجتماع والأخلاق، منطَلَقُها التوحيد والإيمان وغايتُها بناء حضارةٍ إسلاميةٍ تحقّق المجتمع المثالي على الأرض، بعد تاريخٍ من الحروب والإبادات وقتل الأنبياء والأولياء الصالحين وحقن الضغائن وتفشي الفساد الاجتماعي والإداري والأخلاقي.
وقال السيد القائد في كتابه الذي يحمل عنوان "في مدرسة الرسول الأعظم": "إنه ينبغي دراسة حياة الرسول الأكرم (ص) بالمليمترات. كل لحظة من هذه الحياة حدث ودرس وتجليات إنسانية عظيمة".
إن الدروس التي نحصّلُها من تأمل هذه الشخصية البشرية المثلى والكاملة كثيرة، في السمات الشخصية والمعاني والفكر والقرب إلى الله والسلوك في الاجتماع والسياسة وسائر جوانب الحياة، فمن أعظمُ منه خاتم النبيين وسيد المرسلين وأيُّ حديثٍ أحلى مذاقاً من سيرتِه.
اليوم، أمام الإساءات المتكررة لشخص الرسول التي تصدر عن الغرب الأمبريالي ويتغاضى عنها حُكّامُه بل يبرّرون ويدافعون عنها، بينما هم ينادون باحترام الحريات والمعتقدات. أمام هذه الإساءات، نستذكرُ رحمةَ الرسول الأكرم حبيب الله محمد المصطفى، ونستحضرُ شخصيتَه وخلُقَه، إنساناً كاملاً نقتدي به بل هو شرفٌ للعالمِ أجمع أن يعرفَه ويقتديَ به. لأنّ الدين الذي بُعِثَ محمدٌ ليتمَّه هو دين الله.. دينُ التوحيد.. والتسليم والإسلام لله".
عضو المجمع العالمي لأهل البيت(ع) في سوريا "الشیخ نبیل الحلباوي"
من جهته، قدّم الشيخ د. نبيل الحلباوي، عضو المجمع العالمي لأهل البيت(ع) في سوريا مداخلة بعنوان "الرسول الأعظم (ص): بين العقل والعاطفة والإيمان"، في مستهلها قال: "بادئ ذي بدء، أريد أن أقول بأن هذه المشاهد التي اقطتفت من فيلم عن طفولة رسول الله (ص)، وفي تعليق وتعقيب من قائد الأمة الإمام السيد الخامنئي حفظه الله، تذكرني بأبيات قلتها في قصيدة بعنوان "يا رسول الله" أقول فيها: كلما جئت موطن الإلهام يوم ذكراك خانني إقدامي واذا ما هممت اكتب حرفا عنك ناءت بعبئها أقلامي انا ادرى بسر ضعفي وخوفي ما بياني لكنما آتاني ما حديثي عن سيد الخلق والكون و خير الورى وتاج الأنام.
وأضاف الشيخ د. نبيل الحلباوي "وانا احطب الغروب وأمضي في طريق الغرور والأوهام ثم أقول يا نبياً أقام دنيا وديناً في ثلاث مرت وعشرين عاماً شرف اليتم إذ ولدت يتيماً وغدوت العزاء للأيتام أي طفل يفيض سحراً وعطراً ويبث الربيع في الإنسام وفتىً سمته النبوة ما يخطر الا مظللاً بغمام كل ما قيل في علاه كلام بيد ان الرسول فوق الكلام هو معنى المعنى والطف ما صيغ واسمى ما دار في الأفهام حبه جنه وماء وظل وحياة تصفو من الاسقام وهواه والآل زلفى إلى الله ودرب النجاة يوم الزحام".
وختم الشيخ نبيل الحلباوي كلمته قائلاً: أما بشرية الرسول التي نجمع عليها من القرآن الكريم قل انما انا بشر مثلكم لكنها لا تحول دون تميز رسول الله انما انا بشر مثلكم يوحى الي و ما اعظم ان يوحي الى انسان لا يستحق ان يوحى اليه وان ينزل القرآن عليه الا هذا الرسول. لذلك كما أن القرآن كان ذروة عالم التدوين فان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان ذروة عالم التكوين لذلك لا يليق بالقرآن إلا محمد ولا يليق بمحمد إلا القرآن بل هما حقيقه واحده ننظر اليها من جهه التنظير فنرى القرآن الكريم وننظر اليها من جهه التطبيق والتجديد فنجد رسول الله(ص) فهو القرأن الناطق المتحرك المجسد. كذلك فإن رسول الله قد علمنا في القرآن أن نلتفت إلى أنه ختام مسيرة الأنبياء ودائماً وختامه مسك.
الكاتب السياسي اللبناني الاستاذ سركيس أبو زيد
وبعد ذلك تحدث من لبنان الكاتب السياسي الاستاذ سركيس أبو زيد عن "شخصية الرسول الأكرم (ص) ودورها في بناء حضارةٍ إنسانية"،فاعتبر أننا نشهد منذ فترة أحداث وأعمال تعبّر عن الكراهية والإلغاء، وتؤجج حرباً دينيةً على المستوى العالمي، وتهدد البشرية بالخراب والدمار، كما حصلت ممارسات إرهابيّة مُدانة تحاول الإساءة إلى مقدسات الاديان وخاصّة الإسلام، وتثير النعرات وردّات فعل من طبيعتها.
وأضاف سركيس أبو زيدأن شخصية الرسول الأكرم (ص) أرفع من أن تنالها إساءة أو إهانة، لأنّ شخصيّة النبي لها دور تاريخي في بناء حضارة إنسانيّة واحدة وسلام عالمي عادل وخيّر. وإذا عدنا إلى فكر الإمام الخامنئي نجد قراءة متنورة، معاصرة، لفهم أزمات البشرية والعمل من أجل تحويلها من الحروب والفتن إلى الحوار والبناء بهدف ترقي الإنسانيّة السمحاء بعيداً عن العنف والغضب والحقد والتدمير. وهنا سألخّص بعض قواعد فكر الإمام الخامنئي في قراءة دور الإسلام في بناء حضارة إنسانيّة مجيدة فهو دعا إلى الحوار من أجل التعرّف على حقيقة الإسلام، خارج إطار المصالح السياسيّة للحكومات، وخارج ربط ممارسات الجماعات الإرهابيّة بالإسلام، لأن الإسلام جاء رحمة للعالمين. كما هو يدعو للانطلاق من معاناة الإنسان في أيّ مكان من العالم، واستلهام الدروس من محن اليوم وسدّ الطرق الخاطئة التي أوصلت الغرب نفسه إلى ما هو عليه الآن.
وشدد سركيس أبو زيد على ان الإسلام يعتبر أن النبي محمد هو رسول الله، للناس كافة وقد أرسل رحمة للعالمين. إن الإسلام يعتبر كل الأنبياء الذين ظهروا على سطح الأرض من كلّ الأقوام والأجناس، منذ آدم هم مسلمين ويدينون بدين الإسلام، الأنبياء والرسل أرسلوا بلسان أقوامهم، وعليه إن الإسلام يعتبر أنّ كل الأديان السماوية السابقة على إعلان النبي محمد رسالة الإسلام أديان صحيحة وهي تدعو إلى ما يدعو إليه القرآن إلى الإيمان بالله الواحد، والتمسك بالقيم والأخلاق الحميدة وتجنّب الاعتداء والظلم والفساد. ينصح الإسلام أتباعه في علاقاتهم مع الآخرين إلى العمل على عدّة مبادئ منها على سبيل المثال، "لكم دينكم ولي دين"، "لا إكراه في الدين"، إدارة النقاش بالحكمة والموعظة والحسنة، التحكيم والحكم بالعدل، احترام القيم والفضائل وعمل الخير، عدم الاقتداء بالعدوان والحرب.
الباحث الإسلامي البحريني الشيخ صلاح مرسول
وعن موضوع "في مدرسة الرسول الاعظم (ص)، الإساءة إلى الرسول الأكرم (ص) الجذور والأهداف"، تحدث من البحرين الباحث الإسلامي الشيخ صلاح مرسول، فقال "لم تتعرض شخصية في التاريخ والحاضر للاساءة كما تعرضت له شخصية الرسول الأكرم محمد بن عبدالله (ص)، كونها تمثل قيمة كبرى قد غيرت مجرى الوجود البشري، وهي صاحبة التأثير الأكبر على مستوى الإنسانية، ولأنه حطّم الوثنية بكل أصنافها، وهذا ما جعل الكثير من قوى الاستكبار تعمل على إسقاطه بشتى الوسائل والامكانيات".
وأضاف الشيخ صلاح مرسول إن النيل من رسول الله (ص) ومن مكانته العظيمة عند المسلمين، له دوافعه الفتنوية الخبيثة اللا أخلاقية، ويتعارض مع حرية التعبير التي جعلوها شماعة يمررون من خلالها تبريراتهم ودفاعهم عن الذين قاموا بالاساءة لرسول الله (ص)، وما ذلك إلا لقوة وجوده المؤثر في مجتمعاتهم، فهؤلاء كما صنعوا أدوات الارهاب بلباس إسلامي، عملوا على تقديم صورة مزيفة للمجتمع الغربي وغيره تظهر رسول الله (ص) عديم الانسانية كاذب دجال ليس همه إلا النساء، وهذا بحد ذاته جريمة بحق الحقيقة والعدالة والتاريخ.
وعددّ الشيخ صلاح مرسول لأهم الكتابات الحديثة عن الرسول(ص) ومنها رواية "آيات شيطانية" لسلمان رشدي عام (1988) في لندن، والتي أثارت غضب المسلمين كافة، واتخذت الكثير من الدول موقفاً صارماً اتجاه رشدي، وطالبوا بسحب الرواية ومنعه من دخولها لدولهم، وقد أصدر السيد الإمام الخميني فتوى بحقه، وعلى إثر ذلك خرجت مظاهرات تنديدية في أكثر من دولة.
وفي عام (2005) في الدنمارك أقيمت مسابقة لرسم كاريكاتير بهدف الإساءة للرسول (ص)، وقد نشرت الصحيفة اثنا عشرة رسماً كاريكاتيرياً مسيئا للنبي(ص)، وكانت ردات الفعل من قبل المسلمين كبيرة جدًا، وصدر بيان استنكاري من جامعة الدول العربية، وتم استدعاء بعض السفراء من قبل بعض الدول الاسلامية، وتم إغلاق بعض السفارات، كما فعلت إيران بالبعثة الدنماركية والصحفيين الدنماركيين.
وعن الحركة الصهيونية ودورها في الاساءة قال الشيخ صلاح مرسول إن هذه الحركة الانجيلية الصهونية تلعب دوراً محورياً في الحركة المسيئة للرسول (ص) وللاسلام والمسلمين، فهي تنتمي للكنيسة الانجليكانية التي تعتبر الجناح المتطرف في المسيحية، فهم يعملون دوماً على تحقيق النبوءات التوراتية، ويتعاطفون مع اليهودية التاريخية التي تمثل الاضطهاد والحرمان، فهي تعمل دومًا على خلق الفتنة والمجاهرة في العداء للإسلام والمسلمين.
ختم الشيخ صلاح مرسول كلامه بالقول يؤكد الإمام الخامنئي في أكثر من مناسبة أن المخطِط لهذه الحملات المسيئة لرسول الله (ص)، هم أميركا والكيان الصهيوني، فهم المستفيد الأكبر من هذه الفتنة، لصرف الأنظار عن مخططاتهم الشريرة، فهو يؤكد على أن السياسة الصهيونية تقف خلف مثل هذه التحركات العدائية، والتي تتكرر بين حين وآخر.
الدكتورة زهراء نهاوندي، العضو قسم اللغة العربية وآدابها في مؤسسة دائرة المعارف الإسلامية في إیران
وبعد ذلك كانت مداخلة من ايران للدكتورة زهراء نهاوندي، العضو قسم اللغة العربية وآدابها في مؤسسة دائرة المعارف الإسلامية، وكانت بعنوان "دور العالم الإسلامي في الدفاع عن ساحة الرسول الأعظم (ص)" حيث بدأت مداخلتها بتلاوة الآية الكريمة "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا". كما تعلمون أنّ هذه الآيةَ الكريمةَ تدعو الجميعَ إلى الوحدة، و ليست الدعوةُ للمسلمين فقط فتخاطب الآية الكريمة جميعَ أبناءِ البشرِ.
وقالت الدكتورة زهراء نهاوندي لاشكّ فيه أنّ البَعثة النّبويّة الشريفة هي تعدّ أعظمَ حادثة بشرية قاطباً. وهذا الكلامُ ليس كلامنا فقط، بل كلام غير المسلمين؛ لأنّ حقيقة رسالته و طبيعةَ دينِه الّذي جاء به يتواصى المؤمنين بالرحمة لأنه رحمةٌ للعالمين. وحتى اسمه مليئ بالرحمة و الشفاء. كما نعلم في يوم الفتح كُتب على لواء جيش الإسلام: اليومُ يومُ المرحمة.
وختمت الدكتورة زهراء نهاوندي مداخلتها بالقول "يجب أن نعلمَ أنّ الوحدةَ الإسلاميةَ هي قاعدة القوّة التي يرتكز عليها الإسلام، ولن نستطيعَ أن نصنعَ القوّة في العالم بأكمله مادام لم نرتكز على الوحدة".
ثم طرح الاستاذ على الهق سؤالاً، وهذا نصه:
اليوم الإساءة تقوم من جمعيات دولية وهي اساءات ممنهجة عبر مواقع التواصل والصحف. هناك مجموعة من الشباب الغيور يقومون بدورهم على الساحة الثقافية لكن هناك مجموعة من الشباب أصبحت الاساءة بالنسبة لهم أمراً معتاداً. كيف يجب أن نرفع من مستوى احساسنا ووعينا لنقوم بدورنا في الرد على الاساءة؟
ردّ عليه الدكتور عباس خامه يار فقال: أتصور أن هناك طرق حضارية للحؤول دون الاساءة لهذه الشخصية العظيمة. هناك نماذج شاهدناها على مواقع التواصل الاجتماعي. الاجتماعات الكبرى التي أقامها الشباب في الساحات الإيرانية أمام السفارة الفرنسية في طهران. كانت مشاهد حضارية أنشد فيها الشباب باللغة الفارسية والفرنسية للرسول مبدين استياءهم من الإهانة. هذا جانب وهناك جوانب أخرى إيجابية تليق بالشخصية المحمدية، ربما كنموذج معارض الصور التي يقيمها الشباب في المناطق المختلفة. بشكل عام هذا التضامن الذي شاهدناه في العالم الاسلامي والعالم العربي، بطريقة ذكية هو أفضل ردّ على هذه الاساءات.